الخميس، 5 نوفمبر 2009

مكتبات المستقبل الرقمية

مكتبات المستقبل الرقمية



على هامش معرض فرانكفورت للكتاب هذا العام، أعلن الاتحاد الأوروبي عن تدشين «أكبر مكتبة رقمية في العالم، تضم وثائق من السنوات الخمسين الماضية بنحو خمسين لغة».

بوسع المؤسسات والأفراد، بفضل هذه المكتبة الضخمة، وباستخدام الإنترنت، أو سواها من وسئل الاتصال الأخرى، الاطلاع على أو تنزيل «ملفات تعود إلى العام 1952، وهو عام تأسيس ما أصبح يعرف بالاتحاد الأوروبي».

ويؤكد مفوض التعددية اللغوية للاتحاد الأوروبي، ليوناردو أوربان، أن المشروع، الذي يبلغ عدد صفحات مكونات مكتبته الحالية 12 مليون صفحة، تحتاج إلى 24 كيلومترا من الرفوف، وإلى موازنة تقدر بنحو 3.75 مليون دولار. «سيوفر شفافية تامة لمطبوعات الاتحاد الثقافية وتشريعاته، كما يؤكد على التزام الاتحاد بالحفاظ على تاريخ الاتحاد بتعدديته اللغوية».

رغم أهمية هذا الحدث وتوقيت إطلاقه متزامنا مع معرض فرانكفورت للكتاب، لكنه ليس الأول من نوعه، ففي أبريل/ نيسان من العام 2009، أطلقت منظمة اليونيسكو مشروعها العالمي الضخم الذي أطلقت عليه اسم «المكتبة الرقمية العالمية»، هادفة من وراء ذلك «إفساح المجال أمام أكبر عدد من الأشخاص الاطلاع مجانا على محتويات كبرى المكتبات الدولية».

ووفقا لصحيفة «اليوم السابع»، هناك إلى جانب اليونيسكو 32 مؤسسة ثقافية شريكة. ولابد من الإشارة هنا إلى المشاركة العربية في هذا المشروع، فبالإضافة إلى كون دول عربية من بينها المملكة العربية السعودية من بينها الأعضاء المؤسسون له، فقد استعانت اليونيسكو بتقنية مستخدمة في مكتبة الإسكندرية من أجل تجميع ومعالجة بعض الوثائق، وعلى وجه الخصوص العربية منها.

وهناك بعض التصورات الخاطئة التي تربط بين انطلاق مشروعات المكتبات الرقمية وبدء خدمات الإنترنت، ذلك لكون تاريخ ذلك النوع من المكتبات يعود، كما يؤرخ لها البعض إلى أواخر الثلاثينيات من القرن الماضي، «عندما فكر أحد الباحثين (ويلز) في إيجاد مستودع للمعرفة البشرية، لكن المكتبة الرقمية بمعناها المعاصر هي ابنة طبيعية لثورة المعلومات التي بدأت رياحها تهب على مؤسسات التوثيق والمعلومات مع مطلع الثمانينيات من القرن الماضي، بفضل ثلاثة عوامل أساسية: الأول هو الكم الهائل من المعلومات الذي لم يعد في طاقة الأنظمة اليدوية التقليدية من تخزينه، دع عنك معالجته وإعادة بثه، والثاني هو القفزة النوعية التي عرفتها نظم وأجهزة المعلومات التي وفرت إمكانات كبيرة للتخزين المعالجة، والثالث هو سرعة الاتصالات واتساع نطاق الدائرة التي باتت قادرة على الوصول لها، الأمر الذي ضاعف بصورة فلكية المخزون البشري من المعرفة المتعطشة لمن يوصلها إلى مجتمع المستفيدين منها، والذي هو بدوره عرف نموا كبيرا لم يعد في وسع أنظمة الاتصال التقليدية تلبية احتياجاته.

هذا يقودنا إلى التعريف بالمكتبات الرقمية، حيث هناك أكثر من معنى، بل وأكثر من مصطلح. فهناك من يطلق عليها صفة «الإلكترونية»، في حين يضعها آخرون في خانة «الافتراضية»، بينما يراها البعض على أنها «رقمية».

لكن بشكل عام، وعند تناول المفهوم العام للمكتبات الرقمية يمكن أن نستعين بما توصل إليه خبيران عربيان في حقل المعلومات هما حشمت قاسم، ومحمد فتحي عبدالهادي، فبينما يرى الأول، أنه «على الرغم من الاستعمال التبادلي في بعض الأحيان لمصطلحي (المكتبة الإلكترونية) و(المكتبة الرقمية)»، فإن أولهما أوسع دلالة من الثاني حيث يشمل كلا من التناظري والرقمي، بينما يقتصر الثاني على الشكل الرقمي فقط.

«وعادة ما تنشأ المكتبة الإلكترونية أو المكتبة الرقمية في مكان بعينه، اعتمادا على الأوعية الإلكترونية القائمة بذاتها والقابلة للتداول بشكلها المادي الملموس، سواء كانت مسجلة على أسطوانات ضوئية مكتنزة أو على وسائط ممغنطة»، نجد الثاني أكثر جدلية حيث يرى أنه «لا توجد فروق واضحة بين المكتبة الإلكترونية والمكتبة الرقمية، فالمكتبة الإلكترونية قد تشكل جزءا من مكتبة تضم مصادر معلومات متنوعة، وقد تقتصر على المصادر الإلكترونية، وينطبق الشيء نفسه على المكتبة الرقمية، وكلاهما يعتمد على التشغيل الإلكتروني. إلا أن شيوع مصطلح المكتبة الرقمية جاء نتيجة استخدام مفهوم الراديو الرقمي أو التلفزيون الرقمي وغيرهما من وسائل الاتصال ونقل المعلومات، إضافة على تغيير مفهوم اقتناء مصادر المعلومات وتطوره نحو إتاحة الوصول للمعلومات ومصادرها بصرف النظر عن مكان تواجدها».

على أنه لا يمكن الحديث عن المكتبة الإلكترونية أو الرقمية دون التطرق إلى تلك التي تنوي إنشاءها شركة «غوغل»، بالتعاون مع جامعة «ييل» الأميركية، والتي سيكون من ضمن مقتنياتها مئات الألوف، وفقا لآفاق تلك المكتبة من المواد العربية.

ولعلّ ما يدفع جامعة ييل إلى الإنخراط في ذلك المشروع، كما تقول مديرة المشروع آن أوكيرسون «انه بالإضافة إلى الدعم المالي الذي تناله الجامعة من وزارة التعليم الأميركية، فإن الجامعة تمتلك مقومات خاصة تعينها على إنجازه، لأنها تمتلك أقدم برنامج أميركي متخصص بدراسة اللغة العربية وآدابها. فقد دأبت الجامعة على جمع النصوص العربية والشرق الأوسطية لمدة تزيد على 150 عاما. وتراكم لديها أكثر من 150 ألف كتاب و900 عنوان كتاب مكتوب بلغات الشرق الأوسط، وخصوصا اللغة العربية».

هذه مؤشرات تدل على أن الخطوات الأولى لبناء مكتبات المستقبل قد بدأت، ولربما آن أوان التفكير في مشروع مكتبة رقمية عربية تنقذ التراث العربي التقليدي والمنتوج العربي الحديث من أسيجة أنظمة المكتبات التقليدية التي تأسرها.
محمد حسن غنيم
المصدر / صحيفة الوسط البحرينية

ليست هناك تعليقات: